2011/11/13

فجوة التمويل مشكلة جديدة تواجه قطاع الطيران

يبدو أن صناعة الطيران المدني باتت اليوم أمام تحد جديد يضاف إلى متاعب قديمة أو هي انعكاس جديد لهذه المتاعب وتتمثل في الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها اقتصاديات عملاقة أبرزها أوروبا.

والتحدي الجديد المقبل أمام صناعة الطيران خلال العام المقبل سواء كان الشركات المصنعة أو شركات الطيران يتمثل هذه المرة في التمويل او انصح فجوة التمويل التي يتوقع أن تضغط بشدة على الصناعة خلال الفترة المقبلة.
ومما يزيد من الضغوط التمويلية على اقطاب الصناعة المتمثلة في الشركات المصنعة وأبرزها ايرباص وبوينغ والعملاء من شركات الطيران وشركات الطيران. ان صفقات الطيران تتم بالدولار الاميركي الذي بدأت كمياته تشح خصوصاً لدى المصارف الفرنسية الأنشط في صفقات الطيران والتي استحوذت على 30٪ من اجمالي صفقات الصناعة خلال العام الماضي، كما ان هذه المصارف تتحرك نحو بيع جزء من اصولها المقومة بالدولار واسواق المال الأوروبية فقدت اكثر من ثلث قيمتها منذ مايو الماضي مما يزيد من الضغوط على القطاع ويهدد الجميع بتحديات جديدة.
وتتعاظم مشكلة الصناعة مع زيادة انتاج الشركات المصنعة من الطائرات لتلبية احتياجات الأسواق الناشئة من الطائرات التجارية، كما ان الشركات باتت تتسابق على شراء الطائرات الجديدة الأقل استهلاكاً للوقود في ظل ارتفاع مستمر لأسعار الوقود.
والأزمة هذه المرة تختلف عن سابقتها في العامين 2008 و 2009 حيث اضطلعت وكالات الائتمان بالمساعدة في التمويل لكنها في هذه المرة ستضطر الى رفع كلفة الاقراض والرسوم الخاصة بالتمويل لأن الأمر مرتبط بالأصول السيادية والتصنيفات.
واذا كان البعض يشكك في وجود ازمة او فجوة تمويل فإنه يؤكد ان اسعار الاقراض سترتفع بشكل كبير خلال العام المقبل.
قلق ايرباص
وكانت صحيفة الفاينانشيال تايمز قد نشرت قبل فترة تصريحات عن جون ليهي رئيس العمليات في شركة ايرباص والمسؤول عن العملاء قوله ان الشركة يساورها القلق حيال ضعف المصارف الأوروبية التي تمول عادة صفقات شركات الطيران بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها القارة العجوز مع تراجع قيمة اليورو ونقص السيولة من الأسواق والتشدد في الاقراض الناتج عن هذه الظروف.
وقد اضطرت ايرباص في مرحلة ما خلال هذا العام من تمويل صفقة مؤلفة من 146 طائرة صغيرة لإحدى الشركات برغم تحذير احد مسؤولي الشركة من عدم استخدام سيولة الشركة فهي مصنع للطائرات وليس مصرفاً للتمويل عد حد قوله.
وفي تصريحات مماثلة دعا توم ويليامز نائب الرئيس التنفيذي للبرامج في ايرباص دعا وكالات ائتمان الصادرات الى دعم اكبر لصفقات الطيران، كما كان الحال بالنسبة لعامي 2008 و 2009 عندما لعبت هذه الوكالات دورا بارزا في تعويض نقص التمويل بسبب الازمة الاقتصادية العالمية، حيث عانى السوق من شح كبير في السيولة وعانت شركات الطيران من خسائر كبيرة في ذلك الوقت.
وتتخوف ايرباص ايضاً من ضغوط اخرى على مزودي الشركة لمكونات قطاع الطائرات، حيث اجبرت الأزمة على افلاس بعضها، حيث تتخوف الشركة من نقص كبير في بعض المواد التي تنتجها هذه الشركات وتزود ايرباص بها مثل المواد الخام كالتيتانيوم الذي تصنع منه مواد الفايبر الضرورية لتصنيع الطائرات الجديدة، حيث تمتاز بخفة وزنها.
لكن فريد هوشبيرغ رئيس مجلس ادارة بنك الصادرات والواردات الاميركي اشار الى ان السوق ورغم بوادر التراجع التي تبديها بعض المصارف وخصوصاً الفرنسية منها الا اسواق المال ما زالت تمثل حلولاً جيدة لسد فجوة التمويل في صناعة الطيران المدني وحماية آلاف الوظائف في الولايات المتحدة الاميركية.
وجاءت تصريحات هوشبيرغ في اعقاب تراجع عدة مصارف فرنسية عن صفقات تمويل الطائرات مثل سوسيتيه جنرال وبي ان بي باريباس تحت ضغط ازمة الديون في القارة الأوروبية ونقص الدولار في المصارف الأوروبية وهو العملة الرئيس في هذه الصناعة. كما ان المصارف الفرنسية مسؤولة عن 30% من حجم التمويلات في هذه الصناعة ويصل اجمالي كلفة الطائرات التي يتوقع ان تتسلمها شركات الطيران خلال العام المقبل الى اكثر من 72 مليار دولار.

لكن هذه الازمة في اوروبا قد تولد فرصا جديدة للمصارف والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة الاميركية لكن كلفة الاقراض قد ترتفع ايضا مقابل ذلك.
وتنشط بنوك اميركية في صفقات الطيران مثل جي بي مورغان وويليس فارجو وبنك اوف اميركا وسيتي .
ويؤكد هوشبيرغ ان دور البنك يتمثل في حماية سوق الوظائف في الولايات المتحدة والترويج اكثر لها من خلال تعزيز مستوى الصادرات الاميركية على اختلاف انواعها. ويضطلع البنك بدعم صفقات تمويل بأكثر من 100 مليار وهي صفقات عامة لاتقتصر فقط على الطيران وقد اقر الكونجرس مؤخرا زيادة هذه التعاملات لتصل الى 140 مليار دولار.
ومع كل ذلك فإن البعض ما زال حذراً تجاه فجوة التمويل حتى في ظل وجود وكالات ائتمان الصادرات التي ربما لا تكون قادرة على سد فجوة التمويل التي قد تزيد خلال العام المقبل حتى مع دخول مؤسسات اقراض جديدة من دول آسيا واميركا اللاتينية والتي قد تأخذ حصة بنوك اوروبا التي خرجت من هذه المعادلة.
زيادة الإنتاج وضغوط التمويل
ومما يزيد الضغوط على القطاع ان عملاقي الصناعة كانا قد اعلنا عن زيادة كثيفة في انتاج الطائرات لتلبية الطلب خاصة من الأسواق الناشئة.
وأعلنت ايرباص أن معدل إنتاج طائرة A320 ذات الممر الواحد سيرتفع إلى 42 طائرة شهرياً في الربع الأخير من عام 2012 مقابل 36 طائرة حالياً مشيرة الى ان الإنتاج سيزيد على نحو تدريجي ليصل الى 40 طائرة في الربع الأول من عام 2012.
وبينت أن إنتاج إيرباص الحالي من عائلة A330 بعيدة المدى يبلغ 8,5 طائرات في الشهر الواحد وسيرتفع إلى تسع طائرات مطلع عام 2012 وصولاً إلى عشر طائرات في الربع الثاني من العام 2013.
بوينغ تسّرع انتاجها
ومن جهتها كانت بوينغ قد بدأت فعليا في تسريع انتاجها من مختلف الطرازات في سعيها لتعويض التاخير الذي حصل خصوصا في طائرة 787 دريم لاينر التي تاخرت لاكثر من 3 سنوات عن موعد دخولها الخدمة.
وكشفت الشركة في وقت سابق من العام الجاري عن تسريع انتاجها من الطائرات ليصل الى طائرة واحد كل 12 ساعة بحلول عام 2014 مع رفع طاقة انتاج 787 بنحو 400 % لتسليم 10 طائرات شهرياً من خلال 3 خطوط انتاج .
وتتوقع الشركة ان يصل انتاجها السنوي الى نحو 720 طائرة سنوياً في العام 2014 وهو رقم قياسي تسعى اليه الشركة يزيد بنحو 40 بالمئة عن معدل الانتاج الحالي الذي يتراوح بين 485 و 500 طائرة وهو الرقم المستهدف خلال العاغم الجاري.
تلبية متطلبات العملاء
ويؤكد جيم البوغ الرئيس التنفيذي للشركة ان الشركة باعت كامل انتاجها من طائرات 737 حتى عام 2015 وكامل الانتاج من طائرات 787 دريم لاينر حتى عام 2019 والتحدي الاكبر الذي تواجهه الشركة حالياً تلبية متطلبات العملاء المستقبلية وهذا هو السبب الذي دفع الشركة لتسريع إنتاجها من الطائرات.
ورغم المشاكل التي واجهت الشركة في تسليم احدث منتجاتها وهي طائرة 787 دريملاينر التي تأخرت اكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة عن موعد التسليم الا ان الشركة ومع افتتاح مصنعها الجديد في مدينة تشارلستون المخصص لانتاج هذه الطائرة سيساعد الشركة على خطوتها المستقبلية مع استراتيجيتها الجديدة في تصنيع وتجميع الطائرة التي يصنع جزء منها في الخارج.

وتعمل الشركة على انتاج وتسليم طائرات من طراز 737 و 777 وتسليمها وفق مواعيدها المحددة لمساعدتها في امتصاص التكاليف الاضافية المترتبة على تأخير 787 والتعويضات التي ستدفعا لشركات الطيران المتأثرة من التأجيلات المتكررة لطائرة دريملاينر 787 خصوصا مع الطلب المتزايد من قبل العملاء على طائرات 737 و 777 .
ولنجاح هذه الاستراتيجية فإن بوينغ مطالبة بضبط وتناغم سلسلة التوريد لديها والتي تضم اكثر من 5400 شركة حول العالم وهي تلك الشركات التي تنتج اجزاء من طائراتها مع مراقبة ظروف واحوال السوق واداء منافستها ايضا ايرباص.
وترتكز استراتيجية بوينج على مضاعفة انتاج الطائرة 787 بنحو 400 ٪ في الفترة من الآن وحتى 2013 عندما تبدأ تشغيل ثلاثة خطوط للإنتاج في ولايتين بحيث تكون قادرة على تسليم 10 طائرات شهرياً.
لكن هذه الزيادة في الانتاج تتطلب قدرة كاملة من الشركات على تمويل طلبياتها الضخمة وهو امر ما زال يقلق صناعة الطيران المدني وقد يؤثر على حجم الانتاج الفعلي لعملاقي الصناعة خصوصا اذا بدأت شركات الطيران في إلغاء طلبياتها المؤكدة في ظل نقص التمويل الذي يلوح في الأفق وقد يهدد بإلغاء آلاف فرص العمل.